فصل: قال ابن عادل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59)}.
بَلَّغَ الرسالةَ فلم ينجعْ فيهم ما أظهر من الآلاء، لأنَّ محرومَ القسمة لا ينفعه مجهودُ الحيلة. اهـ.

.قال ابن العربي:

قَوْله تَعَالَى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اُعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرُهُ إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}.
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: نُوحٌ أَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ إلَى أَهْلِ الْأَرْضِ بَعْدَ آدَمَ بِتَحْرِيمِ الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ وَسَائِرِ الْفَرَائِضِ؛ كَذَلِكَ فِي صَحِيحِ الْأَثَرِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمَنْ قَالَ مِنْ الْمُؤَرِّخِينَ: إنَّ إدْرِيسَ كَانَ قَبْلَهُ فَقَدْ وَهِمَ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ وَهْمِهِ فِي اتِّبَاعِهِ صُحُفَ الْيَهُودِ، وَكُتُبَ الإسرائليات الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ «فِي الْإِسْرَاءِ، حِينَ لَقِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آدَمَ وَإِدْرِيسَ، فَقَالَ لَهُ آدَم: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، وَالِابْنِ الصَّالِحِ.
وَقَالَ لَهُ إدْرِيسُ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالْأَخِ الصَّالِحِ»
.
وَلَوْ كَانَ إدْرِيسُ أَبًا لِنُوحٍ عَلَى صُلْبِ مُحَمَّدٍ لَقَالَ لَهُ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالِابْنِ الصَّالِحِ.
فَلَمَّا قَالَ لَهُ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالْأَخِ الصَّالِحِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَجْتَمِعُ مَعَهُ فِي أَبِيهِمْ نُوحٍ، وَلَا كَلَامَ لِمُنْصِفٍ بَعْدَ هَذَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: رُوِيَ أَنَّ نُوحًا سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ نَاحَ عَلَى قَوْمِهِ، وَأَكْثَرُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ مَعَهُمْ، وَالنَّوْحُ هُوَ الْبُكَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ، وَكَانُوا مَوْتَى فِي أَدْيَانِهِمْ لِعَدَمِ إجَابَتِهِمْ دُعَاءَهُ لَهُمْ إلَى الْإِيمَانِ، وَإِبَايَتِهِمْ عَنْ قَبُولِهِمْ لِلتَّوْحِيدِ؛ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ الِاشْتِقَاقُ يُعَضِّدُهُ مِنْ وَجْهٍ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَسْمَاءِ قَبْلَ إسْمَاعِيلَ لَمْ تَكُنْ عَرَبِيَّةً.
أَمَّا إنَّ ذِكْرَ الْعُلَمَاءِ لِذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى مَسْأَلَةٍ؛ وَهِيَ جَوَازُ اشْتِقَاقِ الْأَسْمَاءِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مِنْ الْأَفْعَالِ الَّتِي يَتَكَسَّبُونَهَا، إذَا لَمْ تَكُنْ عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ، «وَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَنَّى الدَّوْسِيَّ مِنْ أَصْحَابِهِ بِهِرَّةٍ كَانَ يَكْتَسِبُ لُزُومَهَا مَعَهُ، وَدَعَاهُ لِذَلِكَ بِأَبِي هُرَيْرَةَ»، فِي أَمْثَالٍ لِهَذَا كَثِيرَةٍ مِنْ آثَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ وَالْعُلَمَاءِ نَبَّهْنَا عَلَيْهِ.
فَإِنْ قِيلَ: وَأَيُّ مَدْحٍ فِي لُزُومِ الْهِرَّةِ؟ قُلْنَا: لِأَنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ وَالطَّوَّافَاتِ يَصْغَى لَهَا الْإِنَاءُ، وَلَا تُفْسِدُ الْمَاءَ إذَا وَلَغَتْ فِيهِ، وَفِيهَا مَنْفَعَةٌ عَظِيمَةٌ تَكُفُّ إذَايَةَ الْفَأْرِ، وَمَا يُؤْذِي الْإِنْسَانَ مِنْ الْحَشَرَاتِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: الطُّوفَانُ الْمَاءُ، وَالْجَرَادُ كَانَ يَأْكُلُ الْمَسَامِيرَ، وَإِنَّ سَفِينَةَ نُوحٍ أَتَتْ الْبَيْتَ فِي جَرَيَانِهَا فَطَافَتْ بِهِ سَبْعًا.
وَإِنَّمَا قَالَ مَالِكٌ هَذَا لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْمُفَسِّرِينَ رَوَتْ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّ الطُّوفَانَ هُوَ الْمَوْتُ».
وَحَقِيقَةُ الطُّوفَانِ وَهُوَ الثَّانِي أَنَّهُ مَصْدَرٌ مِنْ طَافَ، أَوْ جَمْعٌ، وَاحِدَتُهُ طُوفَانَةٌ، فَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ: {فَطَافَ عَلَيْهَا} الْآيَةَ. اهـ.

.التفسير المأثور:

{لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59)}.
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أول نبي أرسل نوح».
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وأبو نعيم وابن عساكر عن يزيد الرقاشي قال: إنما سمي نوح عليه السلام نوحًا لطول ما ناح على نفسه.
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة قال: إنما سمي نوحًا لأنه كان ينوح على نفسه.
وأخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر عن مقاتل وجويبر. أن آدم حين كبر ورقَّ عظمه قال: يا رب إلى متى أكد وأسعى؟ قال: يا آدم حتى يولد لك ولد مختون. فولد له نوح بعد عشرة أبطن، وهو يومئذ ابن ألف سنة إلا ستين عامًا، فكان نوح بن لامك بن متوشلخ بن إدريس، وهو اخنوخ بن يرد بن مهلايبل ابن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم، وكان اسم نوح السكن، وإنما سمي نوح السكن لأن الناس بعد آدم سكنوا إليه فهو أبوهم، وإنما سمي نوحًا لأنه ناح على قومه ألف سنة إلا خمسن عامًا يدعوهم إلى الله، فإذا كفروا بكى وناح عليهم.
وأخرج ابن عساكر عن وهب قال: كان بين نوح وآدم عشرة آباء، وكان بين إبراهيم ونوح عشرة آباء.
وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون، كلهم على شريعة من الحق.
وأخرج ابن عساكر عن نوف الشامي قال: خمسة من الأنبياء من العرب: محمد، ونوح، وهود، وصالح، وشعيب، عليهم الصلاة والسلام.
وأخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر عن ابن عباس. أن نوحًا بعث في الألف الثاني، وأن آدم لم يمت حتى ولد له نوح في آخر الألف الأول، وكان قد فشت فيهم المعاصي، وكثرت الجبابرة، وعتوا عتوًّا كبيرًا، وكان نوح يدعوهم ليلًا ونهارًا، سرًا وعلانية، صبورًا حليمًا ولم يلق أحد من الأنبياء أشد مما لقي نوح، فكانوا يدخولن عليه فيخنقونه ويضرب في المجالس ويطرد، وكان لا يدع على ما يصنع به أن يدعوهم، ويقول: يا رب اغفر لقومي فانهم لا يعلمون، فكان لا يزيدهم ذلك إلا فرارًا منه، حتى إنه ليكلم الرجل منهم فيلف رأسه بثوبه ويجعل أصابعه في أذنيه لكيلا يسمع شيئًا من كلامه، فذلك قوله الله: {جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم} [نوح: 7] ثم قاموا من المجلس فاسرعوا المشي، وقالوا: امضوا فإنه كذاب. واشتد عليه البلاء، وكان ينتظر القرن بعد القرن، والجيل بعد الجيل، فلا يأتي قرن إلا وهو أخبث من الأول وأعتى من الأول، ويقول الرجل منهم: قد كان هذا مع آبائنا وأجدادنا، فلم يزل هكذا مجنونًا، وكان الرجل منهم إذا أوصى عند الوفاة يقول لأولاده: احذروا هذا المجنون فإنه قد حدثني آبائي: إن هلاك الناس على يدي هذا.
فكانوا كذلك يتوارثون الوصية بينهم، حتى إن كان الرجل ليحمل ولده على عاتقه، ثم يقف به وعليه فيقول: يا بني ان عشت ومت أنا فاحذروا هذا الشيخ، فلما طال ذلك به وبهم {قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين} [هود: 32].
وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن قتادة. أن نوحًا بعث من الجزيرة، وهودًا من أرض الشحر أرض مهرة، وصالحًا من الحجر، ولوطًا من سدوم، وشعيبًا من مدين، ومات إبراهيم وآدم وإسحق ويوسف بأرض فلسطين، وقتل يحيى بن زكريا بدمشق.
وأخرج ابن عساكر عن مجاهد قال: كانوا يضربون نوحًا حتى يغشى عليه، فإذا أفاق قال: رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وأبو نعيم وابن عساكر من طريق مجاهد عن عبيد بن عمير قال: إن كان نوح ليضربه قومه حتى يغمى عليه، ثم يفيق فيقول: اهد قومي فإنهم لا يعلمون، وقال شقيق: قال عبد الله: لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم: «وهو يمسح الدم عن وجهه وهو يحكي نبيًا من الأنبياء وهو يقول: اللهمَّ اهد قومي فإنهم لا يعلمون».
وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم من وجه آخر عن عبيد بن عمير الليثي. نحوه.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال: كان قوم نوح يخنقونه حتى تترقى عيناه، فإذا تركوه قال: اللهمَّ اغفر لقومي فإنهم جهلة.
وأخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم وابن ماجة عن ابن مسعود قال: «كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبيًا من الأنبياء قد ضربه قومه وهو يمسح الدم عن جبينه ويقول: اللهمَّ اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون».
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي مهاجر الرقي قال: لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا في بيت من شعر، فيقال له: يا نبي الله ابن بيتا. فيقول: أموت اليوم أموت غدًا.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن وهيب بن الورد قال: بنى نوح بيتًا من قصب فقيل له: لو بنيت غير هذا؟ فقال: هذا كثير لمن يموت.
وأخرج ابن أبي الدنيا والعقيلي وابن عساكر والديلمي عن عائشة مرفوعًا «نوح كبير الأنبياء، لم يخرج من خلاء فقط إلا قال: الحمد لله الذي أذاقني طعمه وأبقى في منفعته، وأخرج مني أذاه».
وأخرج البخاري في تاريخه عن ابن مسعود قال: «بعث الله نوحًا فما أهلك أمته إلا الزنادقة، ثم نبي فنبي والله لا يهلك هذه الأمة إلا الزنادقة».
وأخرج أبو الشيخ عن سعد بن حسن قال: كان قوم نوح عليه السلام يزرعون في الشهر مرتين، وكانت المرأة تلد أول النهار فيتبعها ولدها في آخره.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال: ما عذب قوم نوح، حتى ما كان في الأرض سهل ولا جبل إلا له عامر يعمره وحائز يحوزه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم. أن أهل السهل كان قد ضاق بهم وأهل الجبل، حتى ما يقدر أهل السهل أن يرتقوا إلى الجبل ولا أهل الجبل أن ينزلوا إلى أهل السهل في زمان نوح. قال: حسوا.
وأخرج أبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن وهب بن منبه قال: كان نوح أجمل أهل زمانه، وكان يلبس البرقع، فاصابتهم مجاعة في السفينة، فكان نوح إذا تجلى بوجهه لهم شبعوا.
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان وابن عساكر عن ابن عباس قال: «لما حجَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بوادي عسفان فقال: لقد مر بهذا الوادي هود وصالح ونوح على بكرات حمر خطمها الليف، أُزُرُهُمْ العباء وأرديتهم النمار، يلبون يحجون البيت العتيق».
وأخرج ابن عساكر عن ابن عمرو «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: صام نوح الدهر إلا يوم الفطر والأضحى، وصام داود نصف الدهر، وصام إبراهيم ثلاثة أيام من كل شهر صام الدهر وأفطر الدهر».
وأخرج البخاري في الأدب المفرد والبزار والحاكم وابن مردويه والبيهقي والصفات عن عبد الله بن عمرو «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن نوحًا لما حضرته الوفاة قال لابنه: إني قاصر عليك الوصية، آمرك باثنتين وأنهاك عن اثنتين، آمرك بلا إله إلا الله، فإن السموات السبع والأرضين السبع لو وضعن في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة لرجحت بهن، ولو أن السموات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة لقصمتهن لا إله إلا الله وسبحان الله وبحمده فإنها صلاة كل شيء، وبها يرزق كل شيء وأنهاك عن الشرك الأكبر».
وأخرج ابن أبي شيبة عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أعلمكم ما علم نوح ابنه؟ قالو: بلى، قال: آمرك أن تقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، فإن السموات لو كانت في كفة لرجحت بها، ولو كانت حلقة قصمتها، وآمرك بسبحان الله وبحمده فإنها صلاة الخلق وتسبيح الخلق، وبها يرزق الخلق». اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

قوله: {لقد أرْسَلْنَا}.
جواب قسم محذوف تقديره: {واللَّه لقد أرْسَلْنَا}.
قال الزَّمَخْشَرِيُّ: فإن قلت: ما لهم لا يكادون ينطقون بهذه اللاَّم إلاَّ مع قَدْ، وقلَّ عنهم قوله: [الطويل]
حَلَفْتُ لَهَا بِاللَّهِ حَلْفَةَ فَاجِرٍ ** لَنَامُوا......

قلتُ: إنَّمَا كان ذلك؛ لأنَّ الجملة القسميَّة لا تساقُ إلا تأكيدًا للجملةِ المُقْسَم عليها، التي هي جوابها، فكانت مَظَنَّةً لمعنى التَّوَقُّعِ الذي هو معنى قَدْ استماع المخاطب كلمة القسم.
وأما غير الزَّمَخْشَريِّ من النُّحَاةِ فإنَّهُ قال: إذا كان جواب القسم ماضيًا مثبتًا متصرفًا: فإمَّا أن يكُونَ قريبًا من زمن الحال فتأتي بقَدْ وإلاَّ أتيت باللاَّم وَحْدَهَا فظاهر هذه العبارة جواز الوَجْهَيْنِ باعتبارَيْنِ.
وقال هاهنا: {لقد} من غير عاطف، وفي هود [25] والمؤمنين [23]: ولقد بعاطف، وأجاب الكَرْمَانيُّ بأن في هود قد تقدَّم ذكر الرَّسولِ مرَّات، وفي المؤمنين ذكر نُوحٍ ضِمْنًا في قوله: {وَعَلَى الفلك} [غافر: 80]؛ لأنَّهُ أوَّلُ من صنعها، فحسن أن يُؤتى بالعاطف على ما تقدَّمن بخلافِهِ في هذ السُّورةِ.
قوله: {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}.
قرأ الكِسَائِيُّ {غيره} بخفض الرَّاءِ في جميع القُرآنِ، والباقون برفعها، وقرأ عيسى بْنُ عمرَ بنصبها، فالجرُّ على النَّعْتِ والبَدَلِ من موضع {إله}؛ لأن {مِنْ} مزيدة فيه، وموضعه رفع: إما بالابتداء، وإمَّا بالفاعليةَّ، ومنع مكيٌّ في وجه الجرِّ أن تكون بدلًا من إله على اللَّفْظِ، قال: كما لا يَجُوزُ دخول {مِنْ} لو حذفت المبدل منه؛ لأنّها لا تدخل في الإيجابِ، وهذا كلام متهافت.
والنَّصْبُ على الاستِثْنَاءِ، والقراءتانِ الأوليانِ أرجح؛ لأنَّ الكلام متى كان غير إيجاب، رجَّح الاتباع على النَّصْبِ على الاستثناء وحكم غير حكم الاسم الواقع بعد إلاَّ، و{مِنْ إلهٍ} إذا جَعَلْته مبتدأ فلك في الخبر وجهان:
أظهرهما: أنَّهُ {لَكُمْ}.
والثاني: أنَّهُ محذوف، أي: ما لكم من إله في الوجود، أو في العالم غير الله، و{لَكُمْ} على هذا تخصيص وتبيين.